داني حداد
ليست الصحافة في أزمة، كما يتردّد في هذه الأيّام، بل الإعلام كلّه، والفنّ أيضاً، والإثنان متلازمان غالباً. السخيف هو الذي يسود. خالف تُعرف. ارتكِب أخطاء فتصبح معروفاً ويكتبون عنك في الصحف ويستقبلونك في البرامج التلفزيونيّة، وتنتشر صورك على مواقع التواصل الاجتماعي.
رولا سعد، التي لم تنجح لا في الغناء ولا في التمثيل ولا في تقديم البرامج، وتغيب، كضيفة، عن البرامج التلفزيونيّة، تحوّلت فجأة الى "نجمة" بفضل ربط شعرها بحمّالة صدر. قبلها سلك كثيرون دربهم الى "النجوميّة" إما عبر التعرّي أو الشتم أو صورة فاضحة... بلا حمّالة صدر. ميريام كلينك نموذج عن "النجمة" التي لا تملك شيئاً لتقوله أو تُعلن عنه، غير بعض العبارات التي تكتبها عبر مواقع التواصل الاجتماعي مرفقة بصورٍ نخشى، إن وصّفناها بما يلائم من كلمات، أن تدّعي علينا ملكة "كلينكستان".
ثمّة "ملكة" أخرى انشغلنا بأخبارها في الأيّام الأخيرة. غرّدت أحلام عن اللبنانيّين، فهبط عليها "ثقل الدم" اللبناني بكامل سلاحه التلفزيوني والالكتروني والتويتري والفايسبوكي والانستغرامي، ومارس كثيرون موهبتهم في الفوتوشوب للنيل من الفنّانة التي تُكثر من الكلام والتغريد والتفاهة، أكثر ممّا تغنّي. والغناء، للتذكير، هو مهنتها الأصليّة.
ينشغل الناس بالتفاهة والسخافة. ينشغلون بغير المألوف. تحصل على سبق صحفي لتكتب عنه، فتهتمّ به قلّة. تكتب عن صدر المغنية أو ساقيها فتتحوّل الأمّة العربيّة كلّها الى أمّة قارئة، ولو أنّ الكثير من قارئيك سينتقدونك على هذا "المستوى" الذي بلغه الإعلام. ينتقدون ويقرأون ويشجّعون على هذا النوع من الكتابة.
يتابع المراسل الحدث، ويخوض المخاطر أحياناً بحثاً عن معلومة، ثمّ، حين يرتكب هفوة أو يتعثّر في المشي أو يضحك على الهواء، يصبح الشغل الشاغل للناس، ويبحثون عن لقطة "الفيديو" عبر "يوتيوب" ويستضيفونه عبر أثير الإذاعات... الأمر أشبه بحمّالة صدر رولا سعد التي انتقلت من موقعها الطبيعي الى موقعٍ آخر.
ففي لبنان قلّ في هذه الأيّام من يشتغل شغله الأصلي، فالمهرّب سياسي، ورجل الدين يصارع السياسيّين في ملاعبهم، والتشريع لجمهوريّة الوحدة الوطنيّة في أيدي الطائفيّين والمذهبيّين، والتخطيط في أيدي المقاولين...
بات كلّ شيءٍ بالمقلوب في حياتنا، والإعلام مرآة لهذه الحياة. بتنا نتلهّى بأخبار السياسيّين السخيفة، نتابعها، نسعى الى تصديقها فنكتب عنها لنجعل الآخرين يصدّقونها. ونتلهّى بأخبار الفنّانين والفنّانات، وليس غالباً لنتحدّث عن إصدارٍ لهم، بل عن صورة أو موقف مثير أو... "سوتيان".
الإنسان في العالم يتجاوز ذاته بقوّة اكتشافاته العلميّة، كلّ يوم، فيحرق العصور والقرون وليس المراحل فحسب، متقدّماً الى حيث لم يكن يصل بأحلامه قبل سنوات عدّة. ونحن نجلس على مؤخّراتنا كالبلهاء، لنصف مغنية "الواوا" بـ "النجمة"، ولنبحث عن ألقاب لفنّاني النشاز، ولنشاهد سخافات أحلام وننتفض لوطنيّتنا وسيادتنا. وهذه الأخيرة لم يكن ينقصها إلا أحلام لـ "تبلّ" يدها بها.