على رغم تسجيل جملة من السلبيات التي تشوب برنامج The Voice Kids، وبخاصة فيما يتعلق بطريقة الربح والخسارة غير المستحبّة بالنسبة الى الاطفال، لكن لا بدّ من الاعتراف بأن أحلى وأجمل وأرقى ما فيه هي استعادة لحظات الزمن الجميل. ينسجم الطفل أحمد السيسي مؤدياً "دار يا دار" للراحل الكبير وديع الصافي. تُبرز ميرنا حنا قدراتها الغنائية الرائعة بموال "البارحة بالحلم" (علي عبد الكريم) الذي غناه القيصر منذ اكثر من 20 سنة، وتختم بأغنية غربية. بثبات، يغني علاء ناصر "ليالي الانس في فيينا"، وبهدوء موصوف تطير جوان جبور كفراشة الحقول مع "انا قلبي دليلي". وتحضر رائعة ميادة الحناوي "انا بعشقك" بصوت امير عاموري، وتُطرب نور قمر الجماهير حين تؤدي "برضاك" لكوكب الشرق ام كلثوم.
يسهل ذرف الدموع في حضرة هذه المشاهد الموسيقية. هل بسبب هذه الحناجر الطريّة الجبارّة، ام هو وجداننا حيث تخزّن الذاكرة ما تذوقته على مرّ السنوات، ومن جيل الى جيل؟!
لا نجد الاجابة الشافية. ندرك ان ثمة لغزاً يحول دون موت اغنيات الماضي، ذاك الذي يسمى بالعصر الجميل مع انه شهد هبوطا ورتابة وسخافة (او ما يعرف بالاغاني الهابطة). رحيق الحياة والاستمرارية ليس أيضاً محصوراً بالطرب. تحرّك الاغنيات الشعبية القديمة مشاعرنا وترتّب لنا اقامة في مدينة "النوستالجيا". نحاول تفسير هذا السرّ بمقاربتنا غير العلمية والنقدية (لناحية اللحن والكلمة والتوزيع)، فنرمي بالمسؤولية على الزمن وخصائصه: لم يكن آنذاك من سرعة وتسرّع، ولا من زحمة تؤججها "السوشيل ميديا"! نضيف: لم يكن الغناء رقصاً وأزياء. لم يكن يحاكي "الواوا" بل ألم عاشق او وجع وطن. لكن الاستثناءات دائما حاضرة، غير انها لا تشوّه الصورة الكبيرة.
ثم نفكّر: لربما تحتاج أغنيات يومنا الى سنوات كي تنال شرف "التحنيط" في الذاكرة والوجدان والتراث والاصالة. نسأل: هل يا ترى سيعيش ما نسمعه راهناً حتى العام 2030 مثلاً؟ واذا عاش هل سيحلّ مكان روائع الزمن الماضي؟
نقرّ بأن ثمة أغنيات لفنانين من جيلنا، وان غابت او غيّبت، تبقى جميلة متى استمعنا اليها. لكننا غالباً ما نردد أيضاً بأن "الالبوم" القديم لفلان او فلانة من روّاد الغناء في عصرنا، أجمل وأحلى. نعود الى الاشكالية ذاتها: هل هو الحنين الى الماضي، ام ان الماضي كان يلد الجمال والرقيّ وبعضا من الفنّ الذي يصبح جزءا من الحياة الروحية؟!
نحاول التوّصل إلى خلاصة مقنعة: الطرب لا يموت. اللحن الحلو والكلمة المعبرة كذلك. الوجع لا يموت ايضاً. تحرك الدم في عروقنا "منتصب القامة امشي" لمارسيل خليفة. وتهزنا "صارت سنة الالفين" لغسان الرحباني الى حدّ الصراخ: بوي بوي بويتا بويتا بوي بويتا..."!