تتوفر لدى جسم الإنسان سبل عديدة للدفاع عن نفسه ضد العوامل الممرضة أو الكائنات الحية المسببة للأمراض. ويعمل كل من الجلد والمخاط والأهداب كحواجز مادية تمنع العوامل الممرضة من دخول الجسم في المقام الأول.
وفي تقرير تعريفي لمنظمة الصحة العالمية حول آلية عمل اللقاح، قالت المنظمة إنه عندما يُصاب الجسم بعامل ممرض، يفعّل الجسم دفاعاته، التي يُطلق عليها الجهاز المناعي، فتُهاجَم العوامل الممرضة وتُدمَّر أو تُدحر.
وأضاف تقرير المنظمة أن العامل الممرض هو جرثومة أو فيروس أو طُفيلي أو فُطر يمكن أن يسبب المرض داخل الجسم. ويتكون كل عامل ممرض من عدة أجزاء فرعية، عادة ما تكون مرتبطة تحديداً بذلك العامل الممرض وبالمرض الذي يسببه. ويسمى الجزء الفرعي من العامل الممرض الذي يتسبّب في تكوين الأجسام المضادة بالمستضد.
تشكل الأجسام المضادة التي تُنتَج استجابةً لمستضد العامل الممرض جزءاً مهماً من الجهاز المناعي. وتعتبر تلك الأجسام بمثابة جنود في النظام الدفاعي لجسمك. ويُدرَّب كل جسم مضاد أو جندي في نظامنا على التعرف على مستضد معين.
ولدينا الآلاف من الأجسام المضادة المختلفة في أجسامنا. وعندما يتعرض جسم الإنسان للعوامل الممرضة لأول مرة، فإن استجابة الجهاز المناعي لذلك لإنتاج أجسام مضادة يستغرقان بعض الوقت. وفي الأثناء، يكون الشخص عرضة للإصابة بالمرض.
وتعمل الأجسام المضادة بمجرد إنتاجها، مع بقية عناصر الجهاز المناعي على تدمير العامل الممرض ووقف المرض. وبشكل عام، فإن الأجسام المضادة لعامل ممرض معين لا تحمي من عامل ممرض آخر إلا إذا كان العاملان الممرضان متشابهين تمامًا.
وبمجرد أن ينتج الإنسان أجساما مضادا أثناء استجابته الأولية للمرض، فإنه يكوّن أيضًا خلايا ذاكرة منتجة للأجسام المضادة تظل حية حتى بعد تغلّب الجسم على العامل الممرض. وإذا تعرّض الجسم لنفس العامل الممرض مرة أخرى، فإن استجابة تلك الأجسام ستكون أسرع بكثير وأكثر فعالية من المرة الأولى لأن خلايا الذاكرة تكون جاهزة لإطلاق الأجسام المضادة للعامل الممرض.
ويعني ذلك أنه إذا تعرض الشخص للعامل الممرض الخطير في المستقبل، فإن جهازه المناعي سيكون قادرًا على التصدي له فوراً، وبالتالي سيحمي الشخص من المرض.
وتحتوي اللقاحات على أجزاء موهنة أو معطلة من كائن حي معين تؤدي إلى استجابة مناعية داخل الجسم. وتحتوي اللقاحات الحديثة على المخطط الأولي لإنتاج الأجسام المضادة. وبغض النظر عما إذا كان اللقاح يتكون من الأجسام المضادة نفسها أو من المخطط الأولي الذي يتيح للجسم إنتاج تلك الأجسام، فإن هذه النسخة الموهنة لن تسبّب المرض للشخص الذي يتلقى اللقاح، ولكنها ستدفع جهاز المناعة إلى الاستجابة قدر الإمكان كما لو كانت استجابته الأولى للعامل الممرض الفعلي.
المناعة المجتمعية
وعندما يتلقّى شخص ما التطعيم، فإن من المحتمل جدا أن يتمتع بالحماية ضد المرض المستهدف. ولكن، لا يمكن تطعيم الجميع. فقد يتعذّر على الأشخاص المصابين باعتلالات صحية كامنة تسببت في إضعاف جهازهم المناعي (مثل السرطان أو فيروس العوز المناعي البشري) أو الذين يعانون من حساسية شديدة لبعض مكونات اللقاحات تلقّي التطعيم بلقاحات معينة.
ولا يزال من الممكن حماية هؤلاء الأشخاص إذا كانوا يعيشون بين أشخاص آخرين تلقّوا التطعيم. وعندما يتلقّى عدد كبير من أفراد المجتمع المحلي التطعيم، فإنه سيصعب على العامل الممرض الانتشار لأن معظم الأفراد الذين يتعرضّون له يتمتعون بالمناعة. وهكذا، فإنه كلما زاد عدد الأشخاص الذين يتلقّون التطعيم، قلّ احتمال تعرّض الأشخاص الذين تتعذّر حمايتهم باللقاحات لخطر العوامل الممرضة الضارة. ويُطلق على ذلك المناعة المجتمعية، أو ما يُعرف عموماً بمناعة القطيع.
ويكتسي هذا الأمر أهمية خاصة بالنسبة للأشخاص الذين لا يتعذّر تطعيمهم فحسب، وإنما أيضا قد يكونون أكثر عرضة للأمراض التي نتلقّى التطعيم ضدها. ولا يوجد لقاح واحد يوفر حماية بنسبة 100%، كما أن المناعة المجتمعية لا توفر الحماية الكاملة للأشخاص الذين لا يمكن تطعيمهم بشكل مأمون. ولكن، من خلال المناعة الجماعية، سيتمتع هؤلاء الأشخاص بقدر كبير من الحماية بفضل تطعيم الأشخاص الذين من حولهم.
إنّ التطعيم لا يحميك وحدك، وإنما يحمي أيضاً أفراد المجتمع المحلي الذين يتعذّر تطعيمهم. فلا تتردد في تلقّي التطعيم إذا تسنّى لك ذلك.
وتتطلب بعض اللقاحات جرعات متعددة، تُعطى بفترة زمنية فاصلة قدرها أسابيع أو أشهر. وفي بعض الأحيان، يعد ذلك ضروريا لإتاحة إنتاج أضداد طويلة العمر وتكوين خلايا الذاكرة. وعلى هذا النحو، يُدرَّب الجسم على مكافحة الكائن الحي المحدد المسبّب المرض من خلال تكوين ذاكرة خاصة بالعامل الممرض بهدف مكافحته بسرعة في حال التعرّض له مستقبلاً.
وعلى مر التاريخ، تمكّن الإنسان من استحداث لقاحات ضد عدد من الأمراض المهددة الحياة، بما فيها التهاب السحايا والتيتانوس والحصبة وشلل الأطفال.
وفي أوائل القرن العشرين، كان شلل الأطفال مرضاً عالمياً، حيث تسبب في إصابة مئات الآلاف من الأشخاص بالشلل كل عام. وبحلول عام 1950، استُحدث لقاحان فعالان ضد هذا المرض. غير أن التطعيم في بعض مناطق العالم، ولا سيما في أفريقيا، ما زال غير شائع بما يكفي لوقف انتشار شلل الأطفال.
وأشار تقرير المنظمة إلى أنه في ثمانينات القرن الماضي، بدأ بذل جهود عالمية موحدة من أجل استئصال شلل الأطفال من على وجه الأرض. وعلى مدى سنوات وعقود عديدة، انتشر التطعيم ضد شلل الأطفال في جميع القارات، من خلال زيارات التمنيع الروتيني وحملات التطعيم الجماعي. وقد جرى تطعيم ملايين الأشخاص، معظمهم من الأطفال، وفي أغسطس 2020، تم الإشهاد على خلو القارة الأفريقية من شلل الأطفال، لتلتحق هكذا بجميع المناطق الأخرى من العالم التي تمكّنت من استئصال شلل الأطفال، باستثناء باكستان وأفغانستان.
Skynews