من الناس مَن يتكابر بجماله الخارجي، وآخرون بالمنازل الفخمة والسيارات، والبعض «بيشوف حالو» بأمجاد الزعامة العائلية والألقاب، فإذا لم تنادِه بالشيخ فلان شعر بالإهانة وقلّة التقدير والإحترام. أما التباهي بالمال فحدِّث ولا حرج لما له من سلطان، يهابه جزءٌ كبير من أفراد مجتمع يقوم بأكثريّته على المظاهر الخارجية المجرّدة من القيَم والمبادئ، مثل الماركات والأرقام المميّزة للسيارات والهواتف، ما يشجّع منطقَ التباهي بتلك المظاهر قالباً، غير آبهين بالقلب. التباهي أو الـ Show off هو سلوك تعويضي لكسب ثقة الآخرين واحترامهم، هو ظاهرة متفشّية في مجتمعنا، لا تقتصر على طبقة معيّنة بل تصيب الجميع وأحياناً كثيرة مَن لا تسمح له ظروفه الحياتية، فيغرق في الديون شيئاً فشيئاً غير قادر على التحرّر منها.
هي نزعة جامحة للسيطرة على الغير عبر المظاهر الخارجية، فتؤدّي إلى تراكم القروض في البنوك، وكل ذلك في محاولة لسدّ عجز نفسي، أو لإرضاء الغرور وكسب الرضا عن الذات واحترام الغير. قد يتباهى المرء حتّى بإنجازات غيره، كحصول إبن على درجة تميّز أو إبنة على وظيفة مهمة، كما وقد يكون نجاحُ أخ في الإنتخابات النيابية، مثلاً.
كيف يختار المتباهي ضحاياه ويؤثر نفسيّاً عليهم؟
نتفاخر فنتعاطى مع الآخر باعتبار أنفسنا أعلى منه مرتبة، مفترضين بأننا نتفوّق عليه، بما نمتلك ويفتقده هو، فنُشعره بالدونية متعمّدين ذلك، غير آبهين بتميّزه الفكري وإنجازاته المعنوية الفردية. والأسوأ أنّ مَن يتباهى يذلّ الآخر مع سابق تصوِّر وتصميم خصوصاً بما لا يستطيع مَن يبارزه اقتناءه. والويل ثم الويل لمَن يواجه المتباهي، فيقابل البيت الفخم بفيلا، والسيارة بما يفوقها ثمناً، والعاملة المنزلية باثنتين أو أكثر، فيربح السباق ويصيبه بالإحباط المحتّم.
يحاول الشخص المتباهي أن يمتلك الغير من خلال الإغداق عليه بالمال الوفير، دون طلب مقابل، فتراه يترك البخشيش الوفير لنادل في مطعم كي يمدحه بالمقابل أمام مَن يرافقه في المرات المقبلة، فيُشعره بالتميّز والتفوّق. ويتباهى مَن يسعى إلى إرضاء الذات بالهدايا الفاخرة والمبالغ بها في غير محلها، خصوصاً بوهب مبالغ من المال لمَن يحتاجونه من المقرّبين فتجدهم مجبَرين على احترامه وتكريمه طوعاً، لردّ الجميل.
لم تعد المزايدة على الآخرين بالمظاهر الخارجية تقتصر على السيارات والماركات بل تخطّتها إلى السفر والفنادق والمطاعم، فنرى صفحات التواصل الإجتماعي تعجّ بصور موائد وأطباق معيّنة. كما أننا نتّجه شيئاً فشيئاً إلى إهمال المضمون والتركيز على الخارج، على المظهر في المناسبات الإجتماعية العامة والخاصة كالأعراس وولادة طفل جديد وغيرها.
يذكرنا مَن يزايد علناً بما يمتلك بضعفنا وعجزنا، فنشعر بالإستفزاز والنقمة، فهو لديه ما نتمنّى أن نحصل عليه، لكنه أيضاً يُشعرنا بالذلّ وقلّة الإعتبار بضربه عرض الحائط ما نتميّز به من مزايا شخصية، مسلطاً الضوء على المال وما يشتريه المال الوفير. لكن هلّا فكّرنا قليلاً في السّبب وراء التفاخر والتباهي؟
حقيقة الأشخاص المتباهين بالمظاهر الخارجية:
• يخفون في داخلهم ما لا يشبه ما يتظاهرون به.
• يهتمّون بطريقة مبالغ فيها برأي الآخرين بهم والإنطباع الإيجابي الذي يتركونه.
• يظنون بأنّ الآخرين لا يحترمونهم فيظهرون أكثر من قدرتهم لنيل ذلك.
• يحتاجون لنيل اهتمام الآخر ولفت النظر.
• يسعون لتعويض نقص ما في حياتهم الخاصة.
• يغشون ذواتهم والمحيطين بهم.
• يعانون من عدم إستقرار عاطفي.
• يحاولون إخفاء عيوبهم.
• غير ناضجين.
• يعيشون حالة دائمة من عدم الرضا عن الذات.
• يعانون من قلق وتوتر وضغط نفسي بسبب الغيرة ممَّن يزايد عليهم في المظاهر الخارجية.
• عدم الإكتفاء.
بعض النصائح
يشعرنا التعاطي بعفوية مع المحيطين براحة نفسية، بعيداً من الضغوطات والتوتر في حال التظاهر والتمثيل والخداع أحياناً. كما أنّ الإهتمامَ بمضموننا الداخلي أي القيَم والأخلاق والمبادئ كفيل بإعطائنا شعوراً بالرضا عن الذات والثقة بالنفس والإكتفاء، مع الإهتمام بالمظهر الخارجي ضمن قدراتنا المادّية وبعيداً من المبالغة والتصنّع والإبتذال.
علينا بالتالي:
• الإنتباه من إغراق أنفسنا بالديون من خلال التوازن بين المدخول والمصروف.
• عدم الإنبهار بالمظاهر الخارجية للآخرين ومحاولة تقليدها.
• التأكّد من أنّ قيمة الإنسان في أخلاقه وحسن سلوكه وتصرفاته وعلاقاته المميّزة مع الآخرين وليس في ما يمتلك.
• عدم المجاهرة بما نمتلك أمام الآخر، فهو لي ولا يزيد على غيري شيئاً.
دورُ الأهل
• التنشئة السليمة للأبناء عبر كوننا المثل الذي يقتدى به، من خلال تركيزنا على القيَم والمبادئ والأخلاق بالإضافة إلى القناعة والرضا.
• عدم التعاطي مع الناس على أساس ما يملكون.
• عدم تلبية جميع الرغبات الترفيهية للأبناء.
• تعليمهم على الإلتزام بمبالغ معيّنة.
من الضروري الإهتمام والعناية بالشكل الخارجي لكن ذلك يجب أن يتمّ بالتوازن مع الجوهر، كما على الفرد أن يُحسن إدارة ماله، فلا تفوق نسبةُ إنفاقه مدخوله. ولا بدّ من سلّم أولويّات، فلا نهمل الأمور الأساسية كتعليم الأبناء مقابل دفع ثمن سيارة فخمة حفاظاً على المظهر الخارجي.
التباهي والتفاخر هو مشكلة حقيقية لا بل آفة إجتماعية، حيث يُمعن الفراغ الداخلي في إبراز المظهر الخارجي الفخم والجميل، ما يساهم في تنامي السطحية والغش والكذب، ويشجّع على السرقة والإستغلال. مع الإنجرار وراء المظاهر الخداعة فقط ينحدر مجتمعنا، حيث يصبح أبناؤه في غالبيتهم منغمسين في سباق فارغ، ويمعن الجاهل المتموّل في إذلال المثقّف، ذات المبادئ والأخلاق الحميدة. لننعم بما وهبه الله لنا من جمال داخلي وخارجي ولنقتنع بأنّ لدى كل واحد منا أسباباً كافية كي يحبّه الآخرون بعيداً من الإبتذال والمبالغة.