تكتسح الأفلام ثلاثية الأبعاد صالات السينما، بعد أن غزتها تقنيات الصوت متعددة الأبعاد. المشاهد يتفاعل مع الفيلم لدرجة أنّه يحيد برأسه لتفادي أيّ سهم ينطلق باتجاهه من الممثلين، ولكن كيف تنتج الأفلام ثلاثية الأبعاد؟الأفلام ثلاثية الأبعاد تعمل وفق مبدأ خداع البصر، بتفاوت رؤية العينين وزواياها، ولكن كيف يتحقق ذلك عمليا؟ لو نظرت الى أي شيء بجانبك بعينك اليمنى بعد أن تغلق عينك اليسرى، ثم غيرت الى اليسرى وأغلقت اليمنى، فستلحظ أنّ كل عين لها زاوية رؤية مختلفة عن الأخرى بعض الشيء، الدماغ يدمج الصورتين ويجعلك ترى الأشياء الحقيقية مجسمة الابعاد، وهو ما يعرف باسم " الرؤية المجسّمة". فوق ذلك فإن صالات السينما الحديثة مزودة بمكبرات صوت متعددة الأبعاد تفلتر الأصوات الصادرة عن الفيلم وتبثّها من أماكن عدة في صالة العرض بحيث يشعر المشاهد أنّ الشيء يجري فعلا على يمين المشهد، بل أنه قد يدير وجهه الى خارج شاشة العرض بحثا عن الحدث!
لنقل قاعدة الرؤية المجسمة الى شاشة السينما يعمد صنّاع الأفلام ثلاثية الأبعاد الى اعتماد الضوء المستقطَب. موجة الضوء المستقطب تهتز على سطح واحد فحسب، ولتوضيح ذلك، فإن الضوء الصادر عن الشمس هو ضوء غير مستقطب، بمعنى أنّه مكون من موجات ضوئية عديدة تتحرك على سطوح متباينة عدة، ولكن بالإمكان تحويله الى ضوء مستقطَب من خلال فلتر استقطاب خاص، وهو مجموعة عدسات تتخللها شقوق تشبه فتحات اجهزة التبريد في السيارات وغيرها، هذه الشقوق تمرر الضوء المهتز المتحرك فوق سطح بعينة فحسب، فيما تحجب باقي الموجات.
وفي صناعة فيلم ثلاثي الأبعاد كما يشير مقال نشره موقع "فزيكس. أورغ" المتخصص بالفيزياء، يجري تصوير الفيلم بعدستين وضعتا جنبا الى جنب ( لتقوما بوظيفة العين اليمنى والعين اليسرى التي ذكرناها في البداية). الفيلم الذي يجري تسجيله من خلال العدستين، يعرض في صالات السينما من خلال فلاتر الاستقطاب، وهكذا فإن الصور الموجهة الى عيون المشاهدين اليسرى، يتم استقطابها على سطح أفقي، فيما يجري استقطاب الصور التي تستهدف عيون المشاهدين اليمنى على سطح عمودي.
النظارات التي توزع لمشاهدي السينما تستخدم نفس نظام الفلاتر الضوئية لإعادة عزل الصور مرة أخرى بحيث تصل الصور مختلفة متباية الى كل عين بما يخدع الدماغ بأنّ الصور الظاهرة مجسمة وحقيقية وليست مسطحة كما اعتاد الدماغ على رؤية الأفلام.
هذه التقنية تطوّرت في العقد الثاني من الألفية الثالثة، بعد أن كان انتاج الأفلام ثلاثية الأبعاد يجري بتصوير الفيلم الخاص بالعين اليسرى بعدسة مفلترة حمراء، فيما يجري تصوير الفيلم الخاص بالعين اليمنى بعدسة مفلترة زرقاء، ويتذكر رواد السينما أنّ الأفلام ثلاثية الأبعاد في مراحلها المبكرة كانت تُعرض باللونين الأحمر والأزرق فحسب.
هذه التطورات المتسارعة في صناعة السينما قد تصل بالمتفرج الى مشاهدة أفلام فيها مؤثرات حقيقية ملموسة، عطور تنبعث من جسد أمرأة فاتنة تظهر على الشاشة، عبق طبق شهي يوضع على المائدة في مطعم فاخر، رائحة المنزل الدافئ، حيث تطبخ الأم طعام الغذاء للجميع، بل ربما تطور الموضوع الى استخدام مؤثرات أخرى، مثل الماء والدخان والمفرقعات الصوتية للإيحاء للمشاهد أنّه يعيش أحداث ووقائع الفيلم حقا.
ملهم الملائكة/ ع.خ DW